“تبييض النحاس” مهنة تراثية موثقة في المتاحف

لاتغيب من الذاكرة صرة ذلك الشاب النحيل الأسمر الذي يحمل كيساً على ظهره يضع فيه بعض الأدوات ويلف على البيوت يسأل أصحابها إذا كان لديهم أوان نحاسية يرغبون بتبييضها، هذه المهنة اتلي راجت في النصف الثاني من القرن الماضي، حيث كان النحاس يحتل مكانة مرموقة لدى الأسر الكبيرة قبل أن ينافسه الألمنيوم والستانلس وكان الأطفال يلتفون حول “المبيض” عندما يبدأ بفرد أدواته ويباشر عمله مستجمعاً بعض الحطب الذي يشعله ويحرص على بقاء النار ملتهبة، وكانت أدواته عبارة عن كمية من النشادر المعروفة (وهى مادة نفاذة) وعيدان من القصدير وكمية من القطن الخام المحلوج (المنزوع منه البذرة) لتبدأ مراحل التبييض ويؤتى بالوعاء النحاسي المراد تبييضه ويستعمل ملقطاً طويلاً لتحريك الوعاء فوق النار فيسخن أولاً على النار، ثم يقوم المبيِّض بفركه بمادة “النشادر” بواسطة القطن يجول بها في قلب الوعاء، وكم كانت دهشة الأطفال كبيرة عندما كان “المبيض” يقف في الوعاء ليفركه برجليه فتبدو حركاته أشبه بالرقص، وعندما ينتهي من تنظيف الآنية النحاسية يمسحها قطعة قماشية، ثم يغسل بالماء ويضعها تحت أشعة الشمس لتجف وبذلك تنتهي عملية تبييض النحاس.

ولعل فائدة التبييض كانت بأنه يزيل الصدأ الذي يؤدي إلى الأمراض، مع أن النحاس يعتبر صحياً أكثر من أي مواد أخرى احتلت مكانه اليوم. وقد كان المبيض يعتز بمهنته ويفتخر بها ويحدد أجره على كل قطعة نحاسية يبيضها حسب حجمها ويقلّ الأجر ويزيد عن ذلك حسب نظافة القدور، والآن وبعد طغيان أواني الستانلس والتيفال أصبح استخدام الأواني النحاسية نادراً وبالتالي فإن هذه المهنة كما الكثير من المهن اليدوية القديمة التي كانت رائجة في الماضي، في طريقها للاندثار. ومع ذلك تبقى جزءاً من التراث الذي تحفظ صوراً لممارسي هذه المهنة في المتاحف كخطوة في مجال توثيق هذا التراث الذي تعتبر المهن اليدوية جزءاً هاماً منه.

Admin

نحن شباب أميركان من أصل سوري نسكن في لوس انجلوس كاليفورنيا أوجدنا هذه الجريدة التي تجدد يوميا لتخدم الجاليه العربيه في اميركا

*

*

Top